بقلم فيصل محمد الشمري
يصادف الأول من مارس، اليوم العالمي للمستقبل Future International Day، الذي استغرب عدم التفات العديد من الجهات له والاحتفاء به. فتزامنه مع نهاية شهر الابتكار في دولة الإمارات (شهر فبراير)، يعد فرصة حقيقية لاستعراض جاهزية المستقبل، وتقنيات وخدمات الجيل المقبل، المعززة بالبيانات المكانية والقدرات التنبؤية، والتقنيات الثورية والناشئة Emerging & Revolutionary Technologies، فنحن وطن المستقبل.. نحن نستهدف الرقم (1)، وهذا ما نسعى له جميعاً.
المشاركة في الفعاليات العالمية مهمة، إن صاحبتها مبادرات حقيقية، وإسهامات تطويرية ملموسة، بعيداً عن الاستعراض التقليدي بقدرات غير حقيقية، ومساع مؤقتة لزرع وهم التميز، واستعراض شهادات تقديرية عالمية وكونية المسمى
كما أن نقل المعرفة، وأفضل الممارسات المحلية المطبقة، أو العالمية المرصودة، يعكس حرصاً ونموذجاً وطنياً من المسؤولية، يجب أن يكون أساس العمل المؤسسي، مثله مثل استبيانات قياس رضا المتعاملين، واستبيانات قياس رضا الشركاء.
فليس المطلوب تحقيق أرقام ونسب مئوية ودرجات شبه كاملة، فكلنا نعلم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، لكن من هدي الدين والتربية الإسلامية الحضارية، ما يخلد في صفحات الكتب، وركيزة التميز الحقيقي وأساس عمليات التحسين المستمر: «رحم الله من أهدى إليّ عيوبي».
فنجد البعض لايزال يمتعض لأقل انتقاد أو طرح بوجود شوائب إجرائية أو تقنية أو فرص تحسين، تتطلب معالجة لتتحول ممارساتنا لتصبح من أفضل الممارسات العالمية.
إن تطور نموذج الجيل الرابع للتميز المؤسسي، ومطالبة الجهات الحكومية بدمج الابتكار في المعايير كافة، وتخصيص معيار متكامل لعرض جاهزية الجهة للمستقبل، أمر يستحق وقفة تأمل وتحليل، فلم يعد من المتوقع أن تصرف مخصصات الابتكار المقدرة بـ1% لشراء طابعات ثلاثية الأبعاد، لتترك في ممرات للاستعراض أمام الزوار دون استخدام، ولا أن تشتري تقنية متقدمة، لا لشيء، إلا لمواكبة موضة التقنيات المتقدمة، ولأن جهة أخرى قد تسبقنا وتشتريها، فـ«الخيل بخيالها»، كما قالت العرب، والمتعامل الداخلي هو ركيزة النجاح واستدامة التطوير.
ونقتبس هنا مقولة النبيل الإنجليزي ومستشرف المستقبل وكاتب الخيال العلمي، السير آرثر تشارلز كلارك، حين وضع قانونه الثالث في سياق كتابه «ملامح المستقبل التحقق في حدود الممكن»، أن «أي تقنية متقدمة لا يمكن تفريقها عن السحر»، رسالة توضح أهمية التحليل والبحث العلمي، ودراسة وتحليل المطبق والجاري بحثه من علوم تطبيقية للبقاء أمام ركب البحث العلمي.
لقد قال «باني الإمارات»، الوالد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «حينما نتكلم عن الشباب، ومع الشباب، فيجب أن نتكلم باللغة التي يفهمونها، حتى تصل المعاني إلى عقولهم ووجدانهم، ويجب أن نتحاور معهم بروح العصر، ولا نفرض عليهم رأياً أو موقفاً بغير اقتناع منهم، ولا نتصور أن هذا الجيل نسخة طبق الأصل من أجيال سابقة، فكل جيل له سماته وطبيعته وتفكيره، فما كان مقبولاً في جيل ما قبل البترول، لا يصلح للجيل الحاضر».
ولقد قامت قيادتنا الملهمة، بقيادة مرحلة التمكين على النهج نفسه، فوصلنا إلى المريخ والفضاء، وشغّلنا مفاعلات نووية، وأدرنا صناعات عسكرية، وصناعات للطيران، متقدمة جداً، بمفاهيم العالم الأول، ولاتزال دول مجاورة عدة، تحاول سبر أغوار خارطة الطريق الإماراتية، وفهم مرتكزاتها، وعمق مشاركة أبنائها في خط قصة نجاحها.
إن هذا اليوم، وكل يوم في العام، هو «يوم للمستقبل»، يتطلب أن تتفهم الجهات الحكومية، وغيرها، مسؤوليتها في الإسهام في الإعداد للمستقبل، وتمكين المواطنين من التجهيز له، وإشراكهم في تنفيذ مبادراته، بل وحتى التخطيط له.أما التهميش، وإبعاد من ينبهون إلى الأخطاء، أو فرص التحسين، ويسعون لمعالجتها بشفافية، فهو أسلوب للتهرب والتنصل من المسؤولية، لن يجدي بمن يفعله، ولن يصل به إلا إلى أن يكون متأخراً عن ركب التطور، متراجعاً، و«متقهقهر» الخطوات.حينها سينكشف أثره وسلبية نتائج منهجه، وسيكون التغيير نتيجته الحتمية، ليتقدم من يلبي تطلعات القيادة والوطن. أما عن كيفية الاحتفال بيوم المستقبل، فذلك أمر نحن من نقرره، وبخيالنا نحدده.
وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: «المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه.. المستقبل لا يُنتظر.. المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم».
لنحتفل طوال العام، بيوم المستقبل، لنعيش اليوم ما يحلم الآخرون بالوصول إليه بعد عقود، وليبقى وطننا رقم (1) لا عربياً فحسب، بل وعالمياً أيضاً، فوطننا يستحق ذلك، وقيادتنا لا تألو جهداً في سبيله.