بقلم رزان دياب*
أثرت جائحة كورونا بشكل عميق على معالم وأوجه الحياة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية في كل مكان. العالم اليوم أصبح مختلفاً عن العالم ما قبل كورونا، فالعزلة الاجتماعية والتباعد الجسدي أصبحا من ركائز الحياة اليومية وسفينة النجاة للبقاء سالمين، مما جعل من الأفراد ضحية عوارض نفسية مثل الخوف، القلق، الاكتئاب، نوبات الهلع، الأرق والاستخدام السيئ للمواد.
وبدت هذه العوارض في بعض الأحيان أخطر من عراض كوفيد-19 الجسدية ولكن اختلفت حدتها من شخص لآخر لأسباب متنوعة سنعرضها من خلال هذا التقرير.
كبار السن الفريسة الأسهل لفيروس كورونا، حيث عانوا من عوارض نفسية شديدة الخطورة وصلت أحياناً إلى حد الخرف والتدهور العقلي عند البعض منهم. وكذلك الأمر بالنسبة للأطفال المنسلخين عن مدارسهم، ورفقتهم، ملاذهم الآمن ومصدر دعمهم الاجتماعي.
فالتغيير الجذري الحاصل في حياتهم جعلهم غير قادرين على استيعاب ما يدور حولهم وعرضهم للاضطرابات بحسب منظمة الصحة العالمية، فعبروا عن ضيقهم من خلال العنف والعدوانية هذا فضلا عن مشاعر الخوف من الإصابة وفقدان أحد الأحبة مما زاد من تعلقهم بأهلهم. كما أن العزل والحجر وبقائهم لوقت أطول في المنزل عرض البعض منهم للعنف المنزلي وسوء المعاملة.
أصحاب الاضطرابات النفسية والعقلية لهم حصة وفيرة من تداعيات كورونا النفسية، إذ ساء وضعهم وطوروا اضطرابات جديدة خلال هذه الفترة، فالاكتئابيين غرقوا في أفكارهم السوداوية، أهملوا أنفسهم وصحتهم، وزادت رغبتهم في الانتحار.
أما القلقين مسلوبي القدرة في السيطرة على مخاوفهم وقلقهم في الأوقات العادية، فقد جاء كوفيد-19 ليرفع معدل القلق والخوف عندهم، بالتحديد الخوف من الإصابة أو الموت مما جعلهم ضحايا التحقق القهري من الأخبار بشكل دوري، تكديس المشتريات والشراء الهستيري.
بالنسبة للوسواسيين، جاء الوباء بمثابة كابوس يعيشونه يومياً فيمضون نهارهم بالغسيل والتعقيم وقد وصل بالبعض منهم (وفق دراسة حديثة) إلى غسل أيديهم بالماء الساخن جداً لمدة عشرين دقيقة على الاقل في كل يلمسوا اشياء او يخرجوا من المنزل.
وعلى عكس ماحصل في الأوبئة الأخرى على مر العصور، أثر كوفيد-19 نفسياً في الرجال أكثر من النساء ارتفعت نسبة الخلافات الزوجية ووصل العنف الأسري إلى مرحلة كبيرة من التصعيد في مختلف دول العالم، الأمر الذي دعا الأمم المتحدة إلى تحرك عاجل ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الحكومات إلى “وضع سلامة النساء أولاً في استجابتها للوباء”.
ومن ناحية أخرى، لعب المستوى العلمي ومازال دور إيجابي، فقد ساعد الأشخاص على عقلنة ما يحصل مما خفف من وطأة الازمة عليهم.
وبطبيعة الحال زادت الضغوطات والأعباء على الكوادر الطبية وتعرضوا لمخاوف وضغوطات من كل الجبهات. وعانوا هم أيضاً الخوف من الإصابة جراء الاحتكاك المباشر مع المرضى أو انتقاله إليهم من أحد الزملاء والخوف الاعظم من نقل الوباء لعوائلهم فأُنهكوا نفسياً وجسدياً وزادت معدلات الاحتراق النفسي لديهم.
لكن تبقى منطقة مضيئة ضمن التداعيات النفسية لظهور كورونا، حيث أعطى ذلك الشبح الذي سيطر على الكوكب، العائلة، ما كانت محرومة منه بسبب العمل وضغوطات الحياة فالحجر المنزلي سمح لأفراد العائلة بالتقرب من بعضهم البعض وقضاء وقت أكبر معاً، وسمح للأفراد بممارسة هواياتهم واكتشاف هوايات جديدة.
كما أعطانا الفرصة للتمعن بمعنى الحياة والشعور بالامتنان لكل ما نمتلكه فأبسط الأشياء التي لم نكن ندرك أهميتها كالتنزه والتواصل مع الآخر دون خوف أو قلق، زيارة الأهل أو الأصدقاء أو حتى الذهاب إلى مكان نرغب به ساعة ما نشاء صارت أقرب إلى الحلم خلال الحجر والحظر.
حياتنا مليئة بالنعم ولعل كوفيد 19 تعطينا الدرس وتساعدنا على تغيير نظرتنا للحياة، تعلمنا القناعة والامتنان والشكردائماً.