بقلم الدكتور يوسف الشريف
خلال الـ10 سنوات الماضية انخفضت نسبة الخصوبة في الدولة انخفاضاً ملحوظاً ومتسارعاً بشكل ملفت ومقلق، خصوصاً أننا دولة ناشئة في عالم الاقتصاد والتجارة، ولدينا طموحات مستقبلية كبيرة وتحتاج إلى أجيال يكملون المسيرة، ونسبة الانخفاض في الخصوبة تشكل خطراً كبيراً على مستقبلنا ومستقبل طموحاتنا وخططنا.
في عام 2012 كانت نسبة الخصوبة في الدولة 5.4%، وتقلصت هذه النسبة لتصل إلى 1.49%، وهذا يعني أنه إذا استمرت هذه النسبة في التراجع بهذا المستوى، أو حتى لو ثبتت عند هذه المستويات، فسيصبح مجتمعنا مجتمع الأجداد، وتتقلص بذلك نسبة الأحفاد في المجتمع، وهذه إشارة سلبية كون معدلات التنمية تعتمد بشكل كبير على معدل المواليد، فالأحفاد هم من سيكملون مسيرة الأجداد وانخفاض أعدادهم سيكلفنا الكثير في المستقبل.
لهذه المشكلة أسباب كثيرة وبوجهة نظري أهم سببين أولاً: كلفة المعيشة، وثانياً: طبيعة المرأة التي تغيّرت وباتت تبحث عن الاستقلال المادي والتطوّر الوظيفي، متناسية دورها الأساسي في الإنجاب وتربية الأولاد وزيادة معدل الخصوبة، لنضمن استقرار مجتمعنا في المستقبل، ودون أدنى شك أن من حق المرأة أن تبحث عن نجاحاتها المهنية واستقلالها في هذا الجانب، لكن يجب أن يكون هناك اتزان بين الواجبين، ويجب التفكير في مستقبل أجيالنا على المدى الطويل.
تغيّرت نظرة المجتمع تجاه الزواج والإنجاب وحتى تغيّر مفهوم الأسرة لدى الكثيرين، وبات الأمر يواجه تحديات كثيرة وعديدة، وعلى الرغم من أن مؤسسات الدولة وضعت الكثير من الحلول وقدمت المساعدات للأسر، سواء المادية أو المعنوية، وكفلت للمرأة العاملة حقوقها في إجازة الوضع، بل زادت من فترة هذه الإجازة، فإن تصحيح المسار في نسبة الخصوبة لم يتم بالشكل المطلوب وبالشكل الذي يضمن استقرار التنمية في دولتنا مستقبلاً، والسبب هنا يكمن في العقلية المجتمعية التي تغيّرت وتغيّر معها الكثير من المفاهيم، وبات المجتمع يواجه صعوبات نفسية مع موضوع الإنجاب، وعزوفه عن الإنجاب له مبرراته التي تزداد يوماً بعد يوم.
في هذه الأيام باتت المرأة تفكر في شكلها الخارجي ومسارها المهني واستقلالها المادي، وبات الرجل يفكر في الحرية وعدم التقيد بالأسرة ومسؤولياتها، ويفكر في العبء المادي الذي يترتب على موضوع الإنجاب، ولهذا باتت الأسر تكتفي بعدد قليل من الأولاد، وكلما تقدم الزمن قلت هذه النسبة.
الحلول التي توضع لحل هذه المشكلة لا تصيبها بالشكل المطلوب، فمهما قدمنا للأسر من إغراءات مادية ودعم نفسي واجتماعي، فلن ننجح في تعديل هذا المسار، فهناك مشكلة مجتمعية كبيرة، فالمجتمع بكامل فئاته يتخلى عن مسؤولياته في هذا الجانب، ونجد أن الأسرة الكبيرة لم تعد تقدم أي دعم للأسر الصغيرة من حيث المساعدة في الرعاية والتكاليف إن كان باستطاعتها ذلك، وبات هناك شرخ اجتماعي، فكل شخص يريد الاستقلال بحد ذاته ويجد صعوبة في إيجاد التكامل مع الآخر.
هذه المشكلة يجب أن توضع بجدية على طاولة القرار، ويجب اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لتعديل مسار الخصوبة لتصل إلى المستويات المطلوبة للتنمية، خصوصاً أن ركيزة دولتنا بناء الإنسان، ويجب أن نوجد هذا الإنسان قبل أن نفكر في تنميته، والمجتمع الإماراتي والأسر الإماراتية مسؤولة عن هذا الأمر، وعليها الإسراع في تصويب أوضاعها وتحمّل مسؤولياتها تجاه مستقبل أجيالنا ومستقبل مجتمعنا.